الجمعة، يونيو 10، 2011

الامارات من حكومه بلا شعب الى حكومه بلا ارض



بحسب لغة القانون والسياسة معا فان اسس اية دولة هي أربعة الأرض ومجموعة من السكان الذين تربطهم روابط كثيرة كاللغة والدين والتاريخ وغيرها وتجعل لهم الهيمنة على أرضهم والحكومة التي تستمد شرعيتها من شعبها لأنها تعبر عن آلامه وآماله واخيرا وجود القانون الذي يتساوى أمامه أبناء الوطن جميعا ، وبالتالي كلما ضعف احد هذه ألأسس الأربعة ضعفت الدولة واصبحت عرضة لعدم
الأستقرار اما بسبب النزاعات الداخلية أو الأطماع الخارجية أو ألأثنان معا ، وفي اعتقادنا ان السياسات التي تبنتها حكومة الأمارات خلال السنوات الماضية اضعفت كثير من هذه ألأسس وها نحن أبناء دولة الأمارات نجد انفسنا اليوم في عام 2011 وقد اصبحنا نمثل اقل من 10 % من سكان الدولة البالغين بحسب آخر التقديرات حوالي 8 ملايين نسمة ، وهذه النسبة تعني بوضوح ان عنصر السكان المنسجمين والذين لهم غلبة في وطنهم لم يعد موجود ، ولكن ما خطورة هذا الأمر ؟ هذا يعني ببساطة اننا لم نعد نحتاج لجيوشا تأتي من الخارج وتحتل أرض هذه الدولة ، فيكفي ان تطبق في هذه الدولة القوانين العالمية لحقوق الأنسان حتى يشعر أبناء الأمارات انهم لم يعودوا سادة في وطنهم ، ويكفي ان تطالب دولة من الدول ذات الأقليات الكبيرة في هذه الدولة بحقوق رعاياها ، كما فعلت ايران تجاه قضية الشيعه في البحرين لتصبح هذه الدولة في دوامة امنية لانهاية لها ، ويكفي ان تبرز بعض التوترات بين ابناء الوطن واحدى الجاليات الأجنبية لتفقد هذه الدولة استقلالها ، ويكفي أن تنقضي فترة من الزمن على من تملك عقارا واقامة معا حتى تبدا المطالبات بكافة الحقوق .



هذا يدفعنا الى التساؤل الثاني وهو مالذي اوصلنا الى هذا الحال الذي أصبحنا بموجبه اقلية سكانية في وطننا وجعلنا معرضين لخطر أكبر وهو خطر ضياع الأرض حتى ولو بعد حين ؟ ان الأجابة المختصرة هي ان عدم سماح الحكومة لمشاركة فاعله من شعبها جعل صياغة القرارات المختلفة تتم من منظور مصالح وفهم اشخاص محدودين بينما غابت في عملية القرار رؤية بقية شرائح المجتمع ، ولو نظرنا الى المجتمعات الغربية لوجدنا ان عملية صنع القرارات ، خاصة ألأستراتيجة منها ، تتم من قبل كل شرائح المجتمع من احزاب ونقابات وهيئات خيرية واعضاء برلمان ورجال اعمال وغيرها ، لأن كل فئة من هذه الفئات ستتاثر بصورة ما بهذه القرارات ، وبالتالي فلا بد ان تعكس وجهة نظرها لتؤخذ في الأعتبار ، وهذه العملية تتم في اطار سيادة القانون ، اي ان كل انسان حر في التعبير عن رايه والدفاع عنه ، كما وان القيادات السياسية يطالها القانون اذا تجاوزت ما كلفها به المجتمع في تصرفها بالقرار والثروة ، وهكذا تكون عملية صنع القرار بطيئة بعض الشيء ولكنها منضبطه ومعبرة عن أرادة ومصالح كل فئات المجتمع ، وهذا ما لم يحدث في سياسات دولتنا لأن رأي المجتمع كان غائب ، هذا التغييب للمواطن وما نتج عنه من تراجع في قوة هذا الأتحاد ، وما يتهدده من أخطار مستقبلية هو الذي يدفعنا لرفع اصواتنا مطالبين بالأصلاحات السياسية لتوفيرالبيئة السليمة التي تتخذ فيها القرارات باجماع ابناء الوطن وتؤدي في النهاية الى الأزدهاروالأستقرارمعا .

الأستبداد !

على الرغم من أن القيادات السياسية في دولة الأمارات لم تمارس العنف الذي مارسته الأنظمة الحاكمة في الدول العربية الأخرى ، الا انها لاتقل عنها فشلا في ما يتعلق باشراك شعبها في القرارأو في الأشراف على ثرواته ، فالقيادات السياسية في هذه الدولة لازالت لسبب أو لآخر ، غير مستوعبة بان العالم قد تغير ، وان الشعوب قد وعت حقوقها ، وانها أصبحت تطالب بهذه الحقوق ، وانها تريد ان تحصل عليها من خلال مؤسسات قائمة ، لا أن تستجديها في المجالس ، وان تزوير الحقائق من خلال الأعلام الرسمي الفاشل أو غيره من الوسائل الحديثه لن يجدي نفعا ، وان وسائل التشهير والترهيب للمطالبين بالأصلاح لن تؤدي الا الى مزيد من الأصرار على هذه المطالب ، وان عهد " ما اريكم الا ما أرى" قد ولى من غير رجعة ، وان عهد المواطنة الواحدة والحريات بانواعها قد اشرقت شمسه ، وان اختيار ومساءلة الحكومات اصبحت على رأس مطالب الشعوب ، وان الشعوب باقية بينما الحكومات تأتي وتذهب وهذه هي سنة الله في كونه . ففي الكويت مثلا عندما تم الخلاف على اهلية الشيخ سعد العبدالله الصباح رحمه الله للأمارة بسبب ضروفه الصحية عادت الأسرة الحاكمة الى مجلس الأمة الكويتي الذي يمثل الشعب الكويتي مصدر السلطات كما تنص المادة السادسة من الدستور الكويتي وحسم مجلس الأمة الأمر لصالح الأمير صباح الأحمد ، وهذا هو الفرق بين دولة ينص دستورها على أن الشعب الكويتي هو مصدر السلطات وبين بقية دساتير الدول الخليجية التي لاتعترف للمواطن باي دور تشريعي أو رقابي . والمشاهد لتجربة دولة الأمارات يتضح له ان القيادات السياسية فيها اقامت الحجر وهمشت البشر فحرصت على أن يظل المواطن الأماراتي بعيدا عن القرارات الهامة التي تمس حياته ، وذلك بحرمانه من مجلس وطني منتخب تتمتع به كل الشعوب المتقدمة ، وبدات تتبناه كل دول العالم حتى قبل حصول الثورات العربية ، ذلك لأنها أدركت بان الحكومات التي تخضع لأرادة شعوبها وتعبر عن آلامهم وآمالهم وتشاركهم في السراء والضراء هي حكومات مستقرة ومزدهرة في الداخل وقوية ومحترمة في الخارج . وحتى عندما تقدمت عليها بعض دول المنطقة كعمان والسعودية وقطر والبحرين ببعض الأنتخابات للمجالس الوطنية او التشريعية وجدت نفسها مضطرة لرفع الحرج عن نفسها فلجأت الى "المستشارين" الذين اقترحوا عليها ان تنشيء مجلسا عام 2006 يشارك فيه 1 % من سكان الأمارات ترشيحا وانتخابا ، حتى أن بعض المراقبين الغربيين سموا هذه الأنتخابات بالمسرحية المضحكة ، أما نحن فنعتقد انها عملية استخفاف بحقوق وعقول أبناء الأمارات . وفي الوقت الذي سالت فيه الدماء واستمرت فيه الأعتصامات واسقطت فيه رموز الأستبداد في بقية الدول العربية من اجل الحرية والمشاركة وحفظ المال العام وانهاء القواعد الأجنبية ، اذا بحكومة الأمارات تخرج على شعب الأمارات ببيان تخبره فيه أن مجلس عام 2010 سيشارك فيه 2% فقط من السكان، وفي ألأيام الأخيرة سمعنا ان عدد الذين سيشاركون في الأنتخابات سيزداد من حوالي 5000 مواطن عام 2006 الى حوالي 70 ألف مواطن عام 2010 ، وهذه الزيادة لاتعني في الحقيقة اي تقدم في دور المجلس التمثيلي لسبيين ، الأول هو عدم منطقية السماح لبعض المواطنين بالترشيح والأنتخاب ومنع البعض الآخر حتى ولو تم منع شخص واحد ناهيك عن مئات الالاف منهم ، لأن هذا يعني ببساطة غياب العدل ورغبة الحكومة في التحكم بالنتائج ، أما السبب الثاني والأخطر لعدم جدوى هذه الزيادة فهو ان الدستور الحالي لدولة الأمارات يحتاج كثير من التعديلات ومن اهمها اعطاء المجلس الوطني دور رقابي وتشريعي بدل الدور الأستشاري الحالي الذي يجعله لايحل ولايربط حتى لو كانوا اعضاؤه منتخبون 100 % .



اما التعديلات الدستورية المطلوبه وهي كثيرة فيمكن ان يقترحها المجلس الوطني القادم ومن ثم تقدم الى المجلس الأعلى للحكام للموافقة عليها وبذلك تكون الدولة قد بدأت خطوة جادة نحو المشاركة السياسية الفاعلة وكذلك نحو تعميق هذا الأتحاد، وليس هناك في الدستور الحالي ما يمنع المجلس الوطني من تقديم هذه المقترحات اذا اراد اعضاؤه ذلك .

تكميم الأفواه !
في ظل هذا الأنكار لحقوق المواطنين من قبل القيادات السياسية في الدولة ، قامت مجموعة من أبناء هذه الدولة رجالا ونساء بمحاولة النصح لهذه القيادات وقدمت عريضة الى رئيس الدولة طالبته فيها بان يكون المجلس الوطني الأتحادي منتخب وأن تكون له صلاحيات تشريعية ورقابية تامة لأن الفترة تتطلب ذلك ، والتحديات تحتم ذلك ، وهذه الحقوق تقرها شرائع السماء والأرض ، ولم يصدر من المطالببين أي سلوك فيه عنف ، أو تخريب ، أو مساس بحقوق الآخرين ، فاذا بنا نفاجا باعتقال بعض الموقعين على هذه العريضة أما بسبب العريضة أو بسبب تعبيرهم عن آرائهم في منابر أخرى وبصورة تعسفية لاتوحي بتطبيق للقانون ، وانما هي اقرب الى محاولة تكميم الأفواه ، واذا ببعضهم يخرج علينا من وراء اسماء مستعارة وبلغة الغوغاء ليقول فينا ما لم يقله مالك في الخمر ، فهذا يلعننا ، وآخر يتهمنا بالعمالة ، وثالث يكفرنا ، ورابع يتبرأ من العريضه وممن وقعها ، ومجموعة أخرى تهددنا بالويل والثبور وعظائم الأمور حتى ان اعواد المشانق نصبت لنا على الأنترنت ، وكأنا حياتنا أو موتنا أو أرزاقنا قد أصبحت بأيديهم ، ونحن نقول لكل هؤلاء .......غفر الله لكم ، فقد تعلمنا من رسولنا وقدوتنا عليه افضل الصلاة والتسليم حسن الخلق والدفاع عن الرأي بالحجة ، والحلم مع من اساء الينا وما اجمل ذلك البيت الذي صدع به الشاعر العراقي وليد الأعظمي رحمه الله في فترة كانت فيها دعوة الحق في العراق تتعرض لهجمة شرسة من اعداء هذ الدين عندما قال :

ياهذه الدنيا اصيخي واسمعي
انا بغير محمد لا نقتدي
ولأن قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس غيره فاننا نقول لهؤلاء وامثالهم الذين نسال الله ان لايتأثر بسلوكهم ابناء هذه الدولة الأخيار ، نقول لهم والله اننا نستحي ان نجاريكم في ما ذهبتم اليه ، ونوكل أمركم الى الله . كما واننا نؤكد لكم أن ما تقولونه ليس دحضا لمطالبنا الأصلاحية ، بل هو تأكيد على منطقيتها ، وتوثيق لحجم الفساد الذي اوجده الأستبداد في قلوب وعقول الناس ، ولذلك فهو يزيدنا اصرارا على المطالبة بهذه الحقوق حتى نلقى الله سبحانه وتعالى ، لاتأخذنا فيه لومة لائم ، وستبقى وسائل مطالبتنا بهذه الحقوق متحضرة وسلمية كما تعلمنا من ديننا الحنيف ولن تثنينا عن هذه المطالب وسائل التشهير او الترهيب لأن كل اساءة تاتينا منكم هي ان شاء الله اجر لنا واثم عليكم وتعرية لباطلكم أمام أبناء الوطن ونشر لأفكارنا السليمة وخطوة في طريق بناء المجتمع المنشود ، وكذلك هي تنبيه للمخلصين والغافلين الذين غرر بهم فكرروا ما يقوله غيرهم من غير تدبر أو تحري عن ماذا قلنا ولماذا قلناه ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وفي خضم حملة الأرهاب والتشهير التي اعقبت تقديم العريضة سمعنا كثير من الخلط وسوء الأستخدام لمصطلحات كالوطنية والولاء والخروج على الحاكم والخيانة وغيرها من الأطروحات التي اكدت بان بيننا فئات لاتحسن ادارة الأختلاف مع غيرها اما لانها تخاف من سماع الحقيقة او لأنها عاجزة عن الدفاع عن افكارها واطروحاتها وبما ان رسالتنا في هذا الموقع هي التوعية فاننا نود التأكيد على ثلاثة أمور هامة هي :
أولا: ان الأصل الذي ينبغي ان تنطلق منه الحوارات بين أبناء هذه الدولة هو أن اجداد الأجيال الحالية من ابوظبي الى الفجيرة قد اقاموا صرح هذا الوطن جميعا وان أولادهم وأحفادهم مستمرون في حرصهم على ارضهم وتراثهم وانجازات اجدادهم وبالتالي فليس لأحد فضل على أحد الا بقدر ما قدم ويقدم لهذا الوطن من تضحيات تسطر بالأفعال قبل الأقوال ، وبالتالي فالوطنية ليست احتكار لأحد دون الآخر وليست رخصة قيادة سيارة حتى يتم تجديدها بين فترة واخرى . اما خيانة هذا الوطن اذا بدرت من احد لا قدر الله فهي ليست مسأله يتخرص فيها الجهلاء واصحاب الأهواء في وسائل الأعلام المختلفة وانما مكانها القضاء الذي يعرفها ويحاكم على اساسها وليس من الفطنة أو المروءة ان يقذف مواطن مواطنا آخر بتهمة الخيانة لأنه اختلف معه في الراي ، ذلك لأن التاريخ مليء بالأمثلة الدالة على ان كم من شخص احمق قد اودى بوطنه لأنه ساوى بين الوطنية والسكوت عن الحق ، وفي المقابل كم من رجل صادق وقف امام الحاكم ودفعه الى تغيير سياساته وانقذ بذلك مجتمعة من كارثة محتمة . وهذه هي المدافعة التي جعلها الله سبحانه وتعالى سنة كونية وصمام أمان لحماية المجتمع من تفشي الفساد باشكاله في قوله سبحانه وتعالى " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"(البقرة : 251) ، اي ان الأخلاص للوطن يتجسد في انكار الخطا وتحقيق المدافعة والمساءلة وتقديم الرأي الصائب الى الحاكم لأن ذلك وحده هو الذي يحفظ أمن وازدهار الوطن وليس الأنقياد الأعمى لسياسات الدولة.
ثانيا : نقول لمن التبس عليه الأمر بين المطالبة بالأصلاح والخروج على الحاكم ان ليس كل من طالب بحقه هو خارج على الحاكم وهذا فقه فاسد يطرحه فقهاء السلطان ليبرروا الأستبداد ، فهم يخيرون الشعوب بين التحول الى قطيع من الأغنام تأكل وتنام لاراي و لاحق لها ، وبين ان يتهمون بالخروج على الحاكم ، وهذا لعمري هو الفقه السياسي الذي قاد هذه الأمة الى شتى انواع العنف والفوضى والتخلف بسبب جموده ومنافاته للفطرة السوية . لذلك فان الحاكم العاقل هو الذي يترك لشعبه مساحة للحركة والحرية ويأخذ ويعطي معه ، ويصل بعد ذلك الى نقاط اتفاق تحفظ استقرار المجتمع وازدهاره ، اما اذا اختار الحاكم ان يتطرف في استبداده فانه يدفع شعبه في المقابل الى مزيد من عدم الثقة به ، وبألأبتعاد عنه أكثر فأكثر ، وعندئذ تكون كل الأحتمالات واردة . والذين قدموا عريضة المطالب لم يخطئوا في حق الحكومة
كما فهم البعض وانما هم طالبوا بالأصلاح ، واذا بالحكومة تواجه هذا الموقف الحضاري بموقف تعسفي قامت فيه باعتقال بعض الأخوة الذين طالبوا بالأصلاح ، أي انها بدل ان تتفاعل مع مطالب مواطنيها كما فعلت بقية الحكومات ، و تعتبر ان هذه المطالبة هي نوع من المدافعة التي يتطور من خلالها المجتمع وتقوى بها الجبهه الداخلية ، رأت في هذا التعبير عن الرأي جريمة وقررت أن تكون خصما وحكما في آن واحد ، وقد غاب عن هذه القيادات ومستشاريها ان الذي يحدد الجريمة ، صغيرة كانت أم كبيرة ، ويصدرالأحكام أو العقوبات بخصوصها هو القضاء المستقل ، وليس أي شخص في الدولة مهما علا شأنه في الهرم الوظيفي ، فهذا أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عندما اختلف مع اليهودي على ملكية الدرع ذهب الى القضاء ولم يقرر ، أن يصدر حكما في القضية لأنه طرف فيها ، وهذا السلوك مشاهد اليوم في الدول المتقدمة حيث الفصل بين السلطات ، فالرئيس الأمريكي مثلا لايقرر الجريمة والعقاب ، وانما يقدم قضيته كأي شخص الى القضاء المستقل وقد يحكم له أو عليه ، لأن هذا هو السلوك الوحيد الذي يحفظ حقوق الأفراد وهيبة الدولة في آن واحد ، والا فان أبناء المجتمع سيظلون عرضة لأهواء القيادات وتعريفها للجريمة . والأهواء كما علمنا ربنا عاقبتها وخيمة على كل الأطراف كما في قوله تعالى : " يداود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالعدل ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله . ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بمانسوا يوم الحساب " (سورة ص : 26) .
وفي المجتمعات المتقدمة لا نرى حاكما يقتل شعبه كما نشاهد في عالمنا العربي هذه ألايام لأنهم ضبطوا ممارسات الحاكم بالمؤسسات فليست هناك سلطة مطلقة لدى الحاكم في الغرب لأنه يخضع لعدد كبير من القيود من قبل بقية مؤسسات المجتمع كالسلطة التشريعية والسلطة القضائية وغيرها ، وهذا ما يدفعنا الى المطالبة بتحويل دولنا من دول تسيطر فيها الحكومة على بقية السلطات الى دول تكون فيها الحكومة خاضعة لأشراف مجالس نيابية منتخبة وقضاء مستقل واعلام حر حتى يتمكن مجتمعنا من تحقيق الرقي المنشود من خلال مراقبة هذه المؤسسات لبعضها البعض وتوفير بيئة يأمن فيها الأنسان على حريته وماله وعرضه من أي تجاوز لايتم في اطار القانون .
ثالثا : ان لجوء الحكومة الى التحريض على معارضيها باستخدام جهلاء القوم واصحاب المصالح هو دليل ضعف وليس بدليل قوة وثقة ، اضافة الى انه مدخل للفتنه لأنه يقسم المجتمع الى فريقين لايحكمهما العقل وانما تسيرهمها العاطفة وعندئذ تحدث الكوارث باشكالها لأن المغرر به أو الغوغاي يعتقد جهلا انه على حق والذي على الحق فعلا لن يتنازل عن حقه ، وهكذا تنطلق الشرارة الأولى ولايسلم بعد ذلك أحد من آثارها . نقول ذلك لأننا رأينا وسمعنا في ألاسابيع الأخيرة من وسائل التحريض التي تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون في بقية الدول ، ولذلك فاننا نطالب السلطات في الأمارات ان تتحمل مسؤوليتها القانونية بتقديم المسؤولين عن هذه الممارسات الى القضاء واذا لم تفعل فانها تعلن بذلك عجزها عن تطبيق القانون في هذه الدولة وهي بذلك تدفع أبناء الدولة الى اللجوء الى الخيارات القانونية الأخرى المتاحة لهم سواء في الداخل أو في الخارج . كما واننا ندعو القيادات السياسية في هذه الدولة ، وقبل أن ينزلق المجتمع الى ما لا يحمد عقباه ، أن تلجأ الى الحوار ومقارعة الحجة بالحجة بدل التحريض بأشكاله في التعامل مع القضايا الخلافية مع أبناء الوطن ، ولوتأملت هذه القيادات كيف تعاملت الحكومات الخليجية مع تطلعات شعوبها لأتضح لها ان هناك نموذجان : الأول وهو الغالب والذي قامت بموجبه الحكومات بتفهم مطالب شعوبها وبدأت تقترب منها وهي في طريقها كما يبدو الى مزيد من الأصلاحات التي ستؤدي بالتأكيد الى تقوية الجبهة الداخلية ومن خلالها ستوفرالأستقرار اللازم للأزدهار الأقتصادي ، أما في النموذج الثاني فان الحكومة اختارت أن تفتح السجون لمعارضيها بدل ان تفتح معهم حوارات ، وبالتالي فاننا نعتقد أن هذه الحكومة هي في طريقها الى مزيد من عدم الأستقرار وتراجع في الأزدهار، وان كنا لانتمنى ذلك لأرض هي عزيزة على نفوسنا ونعتبرها عمقنا الأسترتيجي ويبقى أملنا ان تتصالح تلك الحكومة مع شعبها مبتدئة بتحرير مساجين الرأي لديها الذين تشير آخر التقديرات بأن عددهم يتراوح بين 25 ألف و30 ألف شخص . وأملنا هو ان لا تتبنى قيادات هذه الدولة هذا النموذج الأخير . وفي هذا الصدد نذكر بأنه قد مضى على سجناء الرأي في الأمارات ، اخواننا الدكتور ناصر بن غيث والبقية أكثر من شهر ، علما ان قوانين الدولة نفسها لاتسمح بايقاف شخص لأكثر من 21 يوم لابد أن يتم خلالها تعريف تهمته وتقديمه للمحاكمة أو الأفراج عنه ، وهذا دليل على عدم استقلالية القضاء في هذه الدولة ، لذلك فاننا نتمنى على القيادات السياسية ان تكون على مستوى الحدث ، وان تقدم مصالح المجتمع وحريات افراده على اي اعتبارات أخرى وان تفرج عن هؤلاء الأخوة وان تعيدهم الى اهلهم وذويهم لأن كل واحد من هؤلاء الأخوة له اسرة تنتظره ولايعقل أن تصادر حريتهم بهذه الطريقة . كما واننا نطالبها ان تكون سباقة في التعامل مع نواميس الكون والمتغيرات الأقليمية وما تمليه من اصلاحات بدل ان تتصادم مع هذه النواميس وتندم لاحقا، وأملنا هو ان لاتضع هذه القيادات أبناء الدولة اما خيارين احلاهما مر ، اي اما أن يقبلوا بأن لايكون لهم رأي في القرار وفي الكيفيىة التي تدار بها ثروات مجتمعهم ، او أن يتعرضون لأرهاب الدولة من سجن وتشهير واتهام بالخيانة وبألأجندات الخارجية وغيرها ، لأن هذا أمر لايمكن أن يقبل به أنسان حر وقد خلق الله البشر احرارا ، كما ان الحكومة التي تخسر شعبها لا يمكن ان تكون لها شرعية اخرى مهما تصورت ذلك ، وقد رأينا كيف أودىت محاولة التصادم مع النواميس حتى ألان بكل من ابن علي ومبارك وهي في طريقها لأزالة كل من القذافي وعلي صالح والأسد ، فهل من معتبر ؟
هدر الثروة !
وقد أدى حرمان أبناء الأمارات من حقهم في اختيار ممثليهم وما يعنيه ذلك من رقابة على التشريعات والموارد الى استفراد القيادات السياسية بالثروة والتشريعات ، فانقضت هذه القيادات على ثروة المجتمع خاصة النفطية منها نهبا تارة وهدرا وتبذيرا تارة أخرى ، وكادت حرمة المال العام ان تتلاشى ، واصبحت هذه القيادات تقوم بنشاطات اقتصادية تتعارض مع ادوارها السياسية ، فاذا بهذا المسؤول يتحول الى تاجر ، وآخر يصبح مقاولا ، وثالث يتاجر بالعقارات ، ورابع يتملك الفنادق وتوابعها ، وخامس يترأس مجلس ادارة احد المصارف ، وهكذا دواليك مستغلين مناصبهم السياسية ، مما اعاق ظهور طبقة رجال اعمال ناجحة تؤسس لأقتصاد متنوع وتوفر الوظائف ، وتدفع الضرائب ، وتنتج للتصدير، وكذلك تضغط على الدولة لتطوير مؤسساتها ، وحلت محلها طبقة وسطاء غير مستقلين عن القيادات السياسية تشتري المنتجات من الخارج وتبيعها في الداخل ، وحدث تزاوج غير صحي بين غالبية هذه الطبقة والقيادات السياسية ادى الى تفشي الفساد بكل صوره ، فترى نفس الوجوه من طبقة التجار والقيادات السياسية تهيمن على المؤسسات المالية والخدمية والتعليمية الخاصة منها والعامة ، وترى مشروعات تؤسس من غير جدوى الا ما ستحققه من عمولات لهذا أو ذاك ، بينما خريجي الجامعات يبحثون عن الوظائف لأشهر ، وهكذا تكدست الثروات في أيدي مجموعة صغيرة من أبناء الوطن ، وهكذا لم تعد هناك رؤية تنموية عمادها أبناء الدولة أو قطاعات منتجة تساهم في التنمية ، أو تفكير في هوية الوطن أو في مصيرالأجيال القادمة ، وانما اصبح الأقتصاد عبارة عن عملية تسابق بين هذه القيادات السياسية ومن يدور في فلكها على الثروة ومحاولة الحصول على أكبر نصيب من هذه الأيرادات النفطية التي لم تأتي بسبب عمل منتج ، وانما هي هبة من الخالق وهي ملك لجميع ابناء المجتمع وينبغي ان توجه الى بناء مداخيل بديله للأجيال القادمة ، ولكن غياب الرقابة المجتمعية على القرار السياسي جعل هذه القيادات تتصرف في هذه الثروة وكأنها ملك خاص . وكأن ضيق القيادات السياسية بالرأي الآخر وتشهير الغوغاء لايكفي ، فاذا بفئة من اخواننا رجال الأعمال الذين كنا نعتقد انهم اكثر وعيا بما يدور في العالم خاصة في ما يتعلق بالقانون وحقوق الأنسان واهميتهما لأزدهار المجتمعات واستقرارها ، اذا بهذه الفئة تخرج علينا باحكام ونصائح لا تعبر عن وعي أو تقدير للرأي الآخر لتعلمنا كيف نفكر وكيف نعيش متناسية ، أن الأنسان لايعيش بالخبز وحده ، وانما كرامته وحريته تأتي قبل ذلك ، هكذا عاش اجدادنا ، وهكذا قررنا أن نعيش نحن ، ولها هي ان تعيش كما تشاء ، ولكننا نتمنى عليها أن لاتفرض علينا رؤيتها ولا تمنعنا من التعبير عن آرائنا مع احترامنا وتقديرنا لها وتذكيرنا لها بأن طبقة رجال الأعمال كانت في السابق اكثر استقلالية عن الحكام من الآن لأنها كانت اكثر انتاجية خاصة ايام اللؤلؤ ، ولذلك كانت ذات اثر ايجابي على الحكام ، وكذلك هو حال طبقة رجال الأعمال اليوم في المجتمعات المتقدمة ، ونضيف ان قوة المجتمع تأتي من التحام الحاكم بالمحكوم من خلال مجتمع من الأحرار لا بتهميش الحكومة لشعبها وتحويلهم الى قطيع من الأغنام تأكل وتنام .
وفي خضم هذا التنافس على ألأيرادات النفطية توسع قطاع العقارات بصورة كارثية وتوسعت معه هجرة العمالة الوافدة فاصبحت هذه العمالة محيط هادر تحول فيه المواطنون الى جزر متباعده تتلاشى فيه تدريجيا ، علما أن هذا الكاتب قد حذرمن خطورة الأعتماد على القطاع العقاري كمحرك للتنمية منذ عام 2004 ، لأن التجارب التاريخية في اغلب دول العالم تؤكد ان فقاعات القطاع العقاري لابد ان تنفجر وتؤذي الأقتصاد ويزداد الأثرالسلبي لهذه الفقاعات في اقتصاديات قليلة التنوع في هياكلها الأقتصادية كاقتصاديات دول المجلس [1]. هذا التوسع العقاري المفرط اصبح يتطلب بدوره سكان ومشترين ، وهكذا تم تعديل القوانين حتى تأتي موجات أخرى من الوافدين ليسكنوا في هذه الأبراج المشيده واصبحوا شركاء في الوطن وتم اعطاء الالاف منهم اقامات تستمر فترات طويلة ، وهذه ألأقامات هي التي ستؤهلهم بحسب القوانين الدولية للحصول على جنسية هذه الدولة في السنوات القادمة ، وبذلك يزداد تهميش ابناء الأمارات في أرضهم ومعه يزاد الخطر على وجودهم ومستقبل احفادهم . وهكذا اصبح عدد سكان الأمارات بحسب آخر التقديرات أكثر من 8 ملايين لاتزيد نسبة المواطنين فيهم على 10%. هذا هو جوهر النموذج التنموي ألأماراتي ، تكديس الثروة في أيدي القلة من خلال نشاطات غير منتجة ، وبايدي اجنبية تقضي على دور المواطن وهويته ، وهذا ما قصدناه بقولنا ان في الأمارات حكومة بلاشعب ، ولأن منطق الأشياء لن يسمح لفترة طويلة ان تكون حكومة من أبناء الأمارات تقود 90 من غير أبناء الأمارات ، لأن هؤلاء الأجانب سيطالبون في المستقبل القريب بأن تمثلهم فئات منهم ، وهكذا يكون أهم ركن من أركان هذه الدولة قد تلاشى بسبب قصر نظر القيادات السياسية وتكون حكومة الأمارات قد اصبحت مهددة بان تكون حكومة بلا أرض ، وقد عالجنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في كتاب حديث يمكن العودة اليه[2].
تهميش المواطن !

ومع غياب أي دور رقابي او تشريعي لأبناء المجتمع ظلت القرارات الأخرى التي تؤثر على العنصر البشري في دولة الأمارات محتكرة من قبل القيادات السياسية وحدها . فمنذ بداية الثمانينات والقطاع التعليمي خاصة يتعرض لكافة اشكال التطهير من ابناء الدولة بسبب انتماءاتهم الأسلامية ، كما طهر النظام التعليميي من الناصريين في الخمسينيات ، لأنها طاقات لم تعجب القيادات السياسية أو لم تعجب القوى الأجنبية ، حتى اصبحت مساهمة المواطنين في هذا القطاع لاتذكر ، وقد تم تبرير هذه السياسات باعذار واهية كالأدعاء بعدم كفاءة من تمت تنحيتهم ، أو بعدم اتقانهم للغة الأنجليزية ، أو بغيرها من الحجج الواهية ، التي ان صحت فان فيها ادانة للسياسات التربوية لهذه القيادات السياسية . ومهما كان ضعف الكوادرالبشرية المواطنة ، فهل من المعقول أوالمقبول ان تترك صناعة التعليم في اي مجتمع لأيدي غير مواطنة ، أو لاتكون للرؤية الوطنية والكوادر الوطنية اليد العليا في صياغتها ؟ والذي يؤكد ان المسالة هي ليست متعلقة بخلل في كفاءة أبناء الوطن بقدر ما هي متعلقة بعدم رغبة القيادات السياسية في وضع الثقة فيهم ، هو انه في الوقت الذي يتزايد فيه عدد حملة الشهادات المختلفة بين أبناء الوطن ، نرى تزايد عدد الوافدين خاصة من الغرب في كافة مؤسسات الدولة التعليمية والمالية والأمنية ، علما ان هؤلاء اغلبهم من المتقاعدين الذين جاءوا للكسب المادي ، كما وان القيادات السياسية ترى فيهم كما يبدو طبقة عازلة بينها وبين ابناء الوطن الذين لايراد لهم ان يتولوا مقاليد ألأمور في وطنهم . وجدير بالذكر ان هذا التوجه لانراه في بقية دول مجلس التعاون التي لايتقلد فيها المناصب القيادية الا المواطنين حتى وان قيدت صلاحياتهم في بعض الأحيان . وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل التعليم في الأمارات اكثر القطاعات تخبط وعدم استقرار وقلة اداء من حيث جودة المخرجات خاصة في السنوات الأخيرة ، لأن الوضع كان مختلفا بعض الشيء في السنوات الأولى للأتحاد ، ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يمكن العودة الى مصدر سابق [3]. وبينما نحن نكتب هذه السطور اذا بجريدة النيويورك تايمز تخرج علينا بخبر غريب وهو أن ابوظبي تعد بالتعاون مع مؤسسة بلاكووتر فرقة مرتزقة ، وبغض النظر عن صحة ودقة المعلومات عن هذا الخبر فان الذي يهمنا تأكيده للقيادات السياسية في هذا الوطن هو أن المجتمعات السليمة والمستقرة لاتقوم على المرتزقة ،ونذكر هذه القيادات بأن الأمارات فيها ابناء سيدافعون عنها اذا وضعت الثقة فيهم وتم اعدادهم اعدادا تاما ، وأن للأمارات جيران عرب ابتداء من العمانيين ، ومرورا باليمنيين ، وانتهاء ببقية الأخوة العرب ، تربطهم باهلها روابط اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا والمصالح والنسب والتراحم ، وهم يمثلون صمامات امنها واستقرارها على المدى البعيد مهما شاب هذه العلاقات من خلافات عارضة وأي استرتيجية أمنية لاتقوم على التصالح والتضامن مع هذه الدوائر مصيرها الفشل من غير أدنى شك .
وقد استمرت بعض القيادات السياسية في الدولة في ظل غياب الرقابة المجتمعية كذلك في نزعة التغريب حتى انها بدات بمنع رجال افاضل كالشيخ القرضاوي وغيره من دخول الدولة حتى لأجتماع رسمي كاجتماع مجمع الفقه الأسلامي الذي انعقد في الشارقة السنة الماضية .، ومنعت غيره من المفكرين والعلماء ، وضيقت على العمل الخيري وعلى تحويل الزكاة الى مستحقيها في بقية البلدان العربية والأسلامية ، وفرضت خطبة الجمعة المكتوبه التي الأصل فيها ان تتنوع بتنوع جمهور المصلين وحاجاتهم ، وادخلت الأذان المسجل والمختلف عليه شرعا ، واغلقت المساجد بعد الصلاة خاصة في بعض الأمارات ، وحاصرت منابرتغرس القيم الفاضلة كجمعية الأصلاح وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي لولاها لتحول جيل الشباب الى جيل مجرد من الكوابح الأخلاقية التي تبعده عن الجريمة باشكالها . وحتى انتخابات مجلس الى 1% لعام 2006 كانت هندستها موجهه الى ابعاد اي تواجد لمن تسميهم السلطة بالأسلاميين أو المتدينين وكأن التدين اصبح سبة . في المقابل فتحت ابوب الفساد على مصراعيها ، فتحولت شواطيء هذه الدولة الى ساحات للتعري ، وفنادقها ملاذ للسكروالعربدة والغناء الفاحش ، وهناك من استباح القمار فشجع الكازينوهات . وهكذا تزداد نعم الله وتقل بركتها بسبب عدم الشكر والتهاون في قيم الأسلام ، ومن المؤسف حقا ان الحصاد المر لهذا التساهل في أمور الدين بدا يظهر على الأسر والمؤسسات والمجتمع بأكمله . فالأسر بدات تعاني من ارتفاع في معدلات الطلاق ومن تراجع الأداء العلمي للأبناء ، واما المؤسسات فانا راينا كيف أن الأموال أصبحت تسرق من قبل أبناء الوطن انفسهم ، واما المجتمع فقد تراجعت فيه كثير من الفضائل التي اتصف بها الاباء وألأجداد كقول الحق ونصرة المظلوم ومناصحة الحكام وغيرها من المعاني التي تعتبر صمامات أمان لأستقرار وازدهار المجتمع . في المقابل تزايدت معدلات الجريمه وتنوعت ، كما وان الصبغة الطاغية لهذه الدولة لم تعد عربية او اسلامية ، بل ان المواطن العربي اصبح غريب الوجه واليد واللسان في جزيرة تغرق في محيط من الوافدين ، حتى جاءت الأزمة المالية الأخيرة فاذا بها محنة تتحول الى منحة فتوقف ، حتى ولولفترة على الأقل ، عملية الأنتحار التي عاشتها دولة الأمارات تحت شعار التنمية والسياحة وغيرها .
حتى لا نصبح كالهنود الحمر !

قبل ثلاثة أشهر دعاني أخ كريم من أمارة قطر لأتحدث في مجلسه عن كتابي المعنون " دول مجلس التعاون في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية" الذي صدر بعد المحاضرة ، وفي طيات الحديث سألني احد الحاضرين قائلا : ألا تعتقد يا دكتور أن الدول الأخرى كمصر والسودان وغيرها تواجه تحديات أكبر من التحديات التي نواجهها نحن أبناء دول المجلس ؟ وكانت اجابتي له بأنني لا اتفق معه لسبب بسيط وهو ان مصر والسودان تواجه مشاكل حلها سهل كما انها مشاكل لاتهدد كيان المجتمع ، فالفقر في مصر يمكن علاجه اذا تمت عملية توظيف العمالة في القطاع الصناعي او الزراعي في ظل حكومة فيها شيء من الرشد ، ومشاكل السودان يمكن التعامل معها باستثمار الفوائض النفطية في القطاع الزراعي هناك ، اما نحن في الأمارات وانتم في قطر فان مشكلتنا مشكلة بقاء ، فاذا حدثت متغيرات اقليمة أو عالمية تسمح للغالبية الأجنبية في أوطاننا بأن تحصل على حقوقها التامة فان هذا ببساطة يعني نهاية هوية هذه الدول كما نعرفها ونهاية سيادتنا على هذه الدول . أذكر هذا المثال لأن الخطر الذي نتحدث عنه لم يعد مستبعدا في السنوات القادمة ، وقد رأينا من تجربة البحرين التي لانعتقد انها انتهت بعد ، ماذا يمكن أن يحصل من فوضى وعدم استقرار اذا قررت دولة اقليمة ان تستخدم ورقة الأقليات . من هنا فاننا نتمنى على القيادات في هذه الدولة ان تبدا عملا جادا لأصلاح الشقوق التي تحدثنا عنها سابقا ، وذلك بالأعتراف بشعبها كشريك في السراء والضراء ، وبناء مؤسسات سياسية يكون لها دور رقابي وتشريعي ترشد السياسيات الرسمية ، والترشيد هنا يعني التأكد من اقامة مؤسسات مالية شفافة ترصد مصادر الثروة ووجوه انفاقها ، ومؤسسات تضمن للمواطن الحصول على التعليم والصحة والتوظيف والتدريب والضمان الأجتماعي والسكن من غير حاجة للذهاب الى مجالس الحكام لأستجدائها ، ومؤسات قانونية مستقلة تحفظ حقوق الناس وتساوي بينهم وتعطي الدولة مصداقية وتمنع اعتقال اي فرد الا باجراءات قانونية واضحة وعادلة ، ومؤسسات اعلامية حرة تسلط الأضواء على مكامن النقص والضعف في اداء المجتمع لتصحيحها ، وان تحرص على ثوابت هذا المجتمع الحضارية وهويته الأسلامية لأنها هي التي تمثل عوامل الأستقرار ، كما وان المطلوب من هذه القيادات ان تصحح سياساتها الخارجية مبتدئة بتعميق علاقاتها الخليجية والتوجه نحو وحده خليجية مع شيء من التكامل الأقتصادي مع اليمن ، وقد يكون البدء بوحدة اندماجية مع اهلنا في عمان تتبعها وحدة خليجية مع بقية دول المجلس هي اقصر الطرق ، وكذلك اعتماد سياسات التجنيس الأنتقائي خاصة للأخوة العرب الذين يحملون المؤهلات العلمية والخبرات ، ثم التوجه بعد ذلك للتعاون الأقتصادي مع بقية الدول العربية ، ونحن على يقين بأن هذه السياسات مجتمعة ستبدا في علاج المشكلة السكانية وسترفع من فرص الأزدهار والأستقرار معا ، كما وانها ستردع دول الجوار كأيران من التمادي في سياسات التوسع والتدخل في الشؤون الخليجية . هذه أجندتنا يا اخواننا الكرام وهي واضحة وضوح الشمس وتتمثل في اعطاء الأنسان الأماراتي حريته وحماية حقوقه ، وفي حفظ ثروته ، وفي التأكيد على قيمه الحضارية ، وفي توحيد جهوده مع اخوانه الخليجيين والعرب بوجه عام ليتحقق كل من الأزدهار والأستقرارمع تفويت الفرصة على اطماع الطامعين من دول الجوار أو الدول الكبرى ومرتزقتها .

أ.د/ يوسف خليفه اليوسف