الاثنين، ديسمبر 28، 2009

«المغارة».. هنا تغتصب بنات الشوارع


فتيات ما بين الثالثة عشرة والخامسة والعشرين من أعمارهن أصبحن من «بنات الشوارع» فى مرحلة مبكرة من أعمارهن. الحياة فى الشارع بما تعنيه من تعرض للضرب المبرح والإهانة وقسوة الجوع والبرد ليس أصعب ما يتعرضن له. إنهن يتعرضن لحوادث اغتصاب وحشية، فيتناوب على اغتصاب الواحدة منهن- فى بعض الأحيان - من ثلاثة إلى سبعة أفراد، ولفترات طويلة قد تبدأ من ثلاثة أيام، وتصل إلى أسبوعين.
وفى هذه الفترة، يُطلق عليهن اسم «خزين»، لأنه يتم حبس الفتاة منهن أو «تخزينها» لفترات طويلة فى مكان ما بغرض اغتصابها متى أراد المحتجز. ويستعين المغتصب- أو مجموعة المغتصبين- فى هذه الحالة بإعطاء بنت الشارع مواد مخدرة حتى يتحمل جسدها ويصمد أمام كل ما تتعرض له.
ويكفى أن تذكر أمام هؤلاء الفتيات كلمة «المغارة» حتى يُصبن برعب بالغ، فالمغارة تعد من أشهر الأماكن التى يتم فيها حوادث الاغتصاب، وربما الأكثر قسوة أن بعضهن يكون معهن أطفالهن أثناء تعرضهن لمثل هذه الحوادث.. وهذا ما حدث مع سعاد.
«سعاد» طفلة تبلغ من العمر ١٥ عاما.. خرجت سعاد من بيتها فى العاشرة من عمرها بعد أن عانت كثيرا من سوء معاملة زوجة أبيها- الذى يعمل سائقا- لها، ولتصبح منذ هذا الوقت إحدى «بنات الشوارع».
فى البدء كعادة أغلب أطفال الشوارع، كانت «سعاد» تقيم عدة أيام فى الشارع ثم تعود إلى بيت والدها، وهكذا..إلى أن تعرفت على بنات يقمن فى الشارع وأصبحت لا تعود إلى بيتها مطلقا.
بعد نحو عامين، لم تعد «سعاد» فى الشارع بمفردها بل أصبحت معها طفلتها التى أنجبتها وهى فى الثانية عشرة من عمرها من خلال علاقة غير شرعية بعامل فى مقهى، والذى كان يبلغ من العمر ٢٠ عاما.
ولم يكن لديه مشكلة فى قبول الزواج منها، ولكن حال دون ذلك صغر سنها، لتظل الأم الصغيرة بلا عقد زواج.. تحمل على يديها رضيعة غير شرعية.. وبلا شهادة ميلاد رغم اعتراف والدها بها.
رفضت «سعاد» مرة أخرى العودة إلى بيت والدها، وقررت أن تواصل مع صغيرتها مأساة الحياة فى الشارع. تعرضت كثيرا للضرب والاستغلال وقاست- مع صغيرتها - من النوم فى الشارع، وظلت على هذا الوضع حتى مرّت بتجربة لا تنمحى من ذاكرتها.. كان عمر «سعاد» ١٤ عاما، وتعرف جيدا حوادث الاغتصاب التى تتعرض لها كثيرات من بنات الشوارع اللاتى يتم خطفهن وإجبارهن على الذهاب مع خاطفيهم تحت تهديد السلاح الأبيض.
«سعاد» كانت تعلم ذلك، ولكن لم يخطر ببالها أن تجربتها ستكون أقسى بكثير من التجارب التى سمعت عنها. الخاطفون فى تجربتها لم يضطروا إلى تهديدها بالسلاح الأبيض لكى تذهب معهم. كل ما فعلوه هو خطف صغيرتها المريضة فتذهب بنفسها إلى مكانهم.
ظلت تسأل عن آخر من رأى طفلتها، فأخبرها زملاؤها بأنها فى «المغارة». وقتها عرفت «سعاد» تماما المطلوب منها. وبالفعل.. ذهبت إلى هناك، وحدث ما كانت تخشاه.. ظل يتناوب على اغتصابها أكثر من خمسة أشخاص لمدة ثلاثة أيام.
كادت ترى طفلتها تموت أمام عينيها طوال هذه الأيام الثلاثة وهى بدون طعام. تتوسل إليهم أن تخرج لتحضر لبنا لها، وتعود إليهم مرة أخرى، وضمانا لذلك ستترك طفلتها لديهم.
خرجت مسرعة لجمعية نور الحياة-إحدى جمعيات رعاية أطفال الشوارع- وحصلت منها على لبن لطفلتها وعادت بالفعل للمغارة مرة أخرى. أطعمت طفلتها وسلمت نفسها لخاطفيها مرة أخرى، فظلوا يتناوبون اغتصابها عدة أيام أخرى.
خلال هذه المدة كانوا يعطونها كميات كبيرة من المواد المخدرة فقط لكى يتحمل جسدها الهزيل كل هذا العدد من مرات الاغتصاب فى هذه المدة القصيرة، وحتى لا تسقط ميتة من قسوة الألم كانوا يقدمون لها الطعام والشراب، ليس بالطبع على سبيل الرحمة ولكن فقط لتملك القوة على الاستمرار، ولا يلقون بالا لطفلتها.. وبعدما استنزفت تماما، قرروا الإفراج عنها وعن طفلتها.
عادت «سعاد» إلى مقر جمعية «نور الحياة» فى اليوم الذى خرجت فيه بطفلتها من المغارة، وتصف الإخصائية التى استقبلتهما يومها حالتهما قائلة: «كانت رائحة البنت الكبيرة أصعب من أن تُحتمل كأنها كانت مدفونة.. وكلتاهما كانت فى حالة إعياء شديد».
«المغارة.. دى مكان عند كوبرى الساحل..هناك عند الكوبرى فيه صناديق حديد.. هى عند تانى أو تالت صندوق بالضبط». هكذا أجابت نادية -٢٣ عاما- عندما سألتها عن أكثر الأماكن التى يتم «تخزين» البنات فيها لاغتصابهن.
وأضافت: «بيبقوا شباب كتير، أقل عدد بيبقى خمسة أو ستة.. وبيبقوا فى العشرينات من عمرهم.. بيهددوا البنات بمطاوى وأمواس حلاقه عشان يركبوا معاهم توك توك أو تاكسى، وياخدوهم هناك..ساعات بيبقى فيه أكتر من بنت فى المغارة وساعات بتبقى بنت واحدة، وبيفضلوا حابسينهم فترة طويلة، وبيغتصبوهم طول الفترة دى، وبيدوهم مخدرات عشان يقدروا يستحملوا».
وتستطرد بعد تنهيدة ألم: «الصعب بقى إن يكون مع البنت ابنها أو بنتها زيى كده، أنا معايا ولد عنده ٣ سنين، ساعتها بيضربوا الولد بمطوة على دماغه وأول ما البنت بتشوف ابنها بينزف بتركب معاهم من غير ما تتكلم، وده حصل معايا.. قبل كده ضربوا ابنى بمطواة فى راسه عشان يخلونى أركب معاهم، وساعتها الولد كان بين الحياة والموت لغاية ما قدرت أخيط دماغه فى مستشفى عام. فى كل مرة لما بيبقوا عايزنى أروح معاهم بيضربونى ويضربوا الولد».
بدأت «نادية» حياتها فى الشارع منذ أن كان عمرها نحو ١٥ عاما. تزوجت عرفيا لتنجب طفلها الذى يعيش معها فى الشارع دون شهادة ميلاد.
وتضيف نادية: «أنا وابنى بنبات فى الشارع فى أى توك توك راكن على جنب أو متغطى.. وولاد الحلال بيدونا ساعات أكل وساعات فلوس.. واهى بتمشى.. الولد متبهدل معايا قوى.. وكل يوم والتانى بيتعور منى فى الشارع أو حد بيأذيه أو بيضربه، ده غير أن مش عنده شهادة ميلاد.. لو أبوه أو أبويا عرضوا عليّ أنهم ياخدوه يقعد معاهم هوافق طبعا.. أحسن من بهدلته فى الشارع».
«نادية» تؤكد أن علاقتها بحوادث الاغتصاب «علاقة سمعية» من زميلاتها اللاتى تعرضن لمثل هذه الحوادث، موضحة أنها تعرضت أكثر من مرة لمحاولات اختطاف إلى «المغارة»، لكنها كانت تتمكن من الهرب.
وبانصراف نادية، علقت الإخصائية قائلة: «البنات يواجهن حرجاً بالغاً فى التصريح بأنهن تعرضّن لحوادث اغتصاب بمثل هذه الوحشية، ودوما ما يحكين قصصهن على أنها وقعت مع زميلاتهن، فمثل هذه الحوادث تمثل ضغطا نفسيا هائلا عليهن، ويريدن محوه من ذاكرتهن للأبد».
وأضافت: «نادية تعرضت لحوادث اغتصاب، وخطفت مرة إلى ذلك المكان الذى يطلقون عليه المغارة، وهى عندما ضربوا ابنها بمطواة على رأسه، لم تستطع - بالطبع- الرفض أو المقاومة.. الكارثة أن ابنها يكون واعيا لما يراه، وإن لم يدرك ما يراه إدراكا تاما، وعندما يأتى إلى هنا يقص ما شاهده.
«ساعات بياخدوا البنات فى شقق مفروشة فى المهندسين وساعات تانيه بياخدوهم المغارة». هكذا بدأت ياسمين-٢٣ عاما- وأكدت كلام «نادية» قائلة : «المغارة دى مكان عند كوبرى الساحل عند الصناديق الحديد اللى هناك..ومحدش بيعرف يوصلها، البنات بتفضل «متخزنة» هناك وقت طويل لما اللى خاطفينهم يزهقوا ويسيبوهم، وطبعا لأن أغلب البنات بيبقى جسمهم ضعيف فبيدوهم مخدرات عشان يقدروا يستحملوا، حتى لو مكانش جسمهم ضعيف.. مفيش واحدة تستحمل اللى بيحصلها».
وعن الإبلاغ عن مثل هذه الحوادث، تقول ياسمين: «احنا مينفعش ندخل قسم شرطة برجلينا.. ولو روحنا محدش هيصدقنا.. احنا بيتبص لنا على إننا بنات شوارع ومتعودين على كده، أو إننا بنعمل ده بمزاجنا مش بنتخطف ونتهدد بالسلاح ونتحبس بالأسابيع.. واللى بتروح برضاها فبتروح لأنها خايفه على حياتها».
«ياسمين» بدأت حياة الشارع عندما بلغت ١٩ عاما بعدما اختلفت مع زوجها وتركت منزله، وتعرضت لكثير من الانتهاكات فى الشارع منها اختطاف ابن لها، ومحاولة البعض شراء طفلها الثانى بـ٢٠٠٠ جنيه عندما كان جنينا فى بطنها وقبل أن يرى النور بعد.
وتعلق سامية سرحان، إخصائية بجمعية نور الحياة، على حالات البنات اللاتى يتعرضن للاغتصاب -وفقا لما رأته وسمعته منهن- قائلة: «الشباب الذين يقومون باختطاف البنات بيبقوا فى الأغلب مدمنين، وعددهم كبير يمكن يبدأ على الأقل من خمسة، وبياخدوهم أحيانا لشقق مفروشة فى المهندسين، ولكن أقسى أماكن الاغتصاب على الإطلاق- كما يحكين- هو المغارة».
وتضيف: «المغارة مكان معروف جدا بين بنات الشوارع هنا، وكمان مجموعة الولاد بتوع المغارة معروفين بالنسبة للبنات، أحيانا بلاقى بنت بتقول اسم ولد أمام بنت تعرضت لهذا الحادث فأجدها تسألها لتتأكد من شخصه: بتاع المغارة؟.. هذه هى شهرتهم.. بتوع المغارة».
وتوضح أن بنات كثيرات يتم اختطافهن من مناطق شعبية مثل إمبابة وأخذهن إلى المكان الذى سيتم تخزينهن فيه سواء المغارة أو غيرها بـ«توك توك» أو بسيارة أجرة تحت تهديد السلاح الأبيض أو تحت ضغط ضرب ابنها، لو كان معها طفل.
وتستطرد: «مش بيسيبوهم غير لما بيزهقوا.. يعنى لو كانت البنت هتموت فده مش سبب كافى عشان يسيبوها، وخلال الفترة دى بيوفروا للمغتصبات الطعام والشراب ومواد مخدرة ليس على سبيل الترف بالطبع.. ولكن ليتحملن ألم تناوب الاغتصاب عليهن من أشخاص كثيرين ولفترات طويلة».
وتتابع: «البنات يخجلن بشدة من قول أنهن تعرضن لهذا الحادث، ولكننا نعرف هذا من خلال اختفائهن مدة ثم عودتهن برائحة صعبة وكريهة للغاية وكأنهن كنّ مدفونات بكل معنى الكلمة.. وإذا كان معهن أطفالهن فإن الولاد يكونون فى حالة يرثى لها، بخلاف أن من يعى قليلا منهم يروى ما رآه حتى دون أن يكون مدركا لمعناه.. هذا قبل أن يملكن الجرأة للبدء فى حكى ما حدث معهن».
وعن أصعب المواقف على الإطلاق التى حكى عنها البنات، تقول سامية: «هو موقف حدث فى المغارة، حكت لى إحداهن عنه، حيث تم اختطافها هناك فرأت ثلاث بنات كل واحدة منهن فى ركن، كانت الحالة الأكثر صعوبة فبينهن بنت لم تكن قد فقدت عذريتها بعد، وحدث لها هذا هناك.. والثانية كانت فتاة مبتورة الساقين.. وكانت الفتيات الثلاث عاريات تماما»، ولم تتمكن البنت التى عادت لتروى ما حدث معها وأمامها من معرفة منذ متى كانت هؤلاء الفتيات محبوسات فى ذلك المكان.
ويضيف محمد خليل، إخصائى فى جمعية نور الحياة: «كثير من البنات اللاتى يترددن على الجمعية يقصصن عن المغارة وتعرضهن لحوادث اغتصاب بشعة داخلها، وآخر هذه الحالات كانت منذ حوالى ثلاثة أشهر. جاءت إحدى الفتيات لمقر الجمعية بملابس ممزقة، وكانت منهارة وفى حالة نفسية سيئة للغاية لأنها كانت عذراء قبل الذهاب إلى هناك».
ويوضح أن اقتياد البنات للمكان يتم خلال أى وقت من اليوم، سواء بالليل أو النهار، وهناك عند المغارة يوجد «ناضورجى»، وعندما تكون الدنيا أماناً للنزول بالبنت يبلغوهم، والأولاد لديهم استعداد بالتجول بالبنت المخطوفة فى التوك توك لمدة ٢٤ ساعة، حتى يبلغهم «الناضورجى» بأن الدنيا أمان عند المغارة فيدخلون بها.
ويتابع: «لقد ذهبت عند المغارة أكثر من مرة، فهى أحد المداخل لجسم كوبرى الساحل لم يتم إغلاقه والأولاد يستخدمون هذا المدخل للوصول إلى جسم الكوبرى، وهناك المكان مظلم تماما سواء فى الليل أو النهار، ويستعينون على إضاءته بالشموع».
ويشير إلى أنه عند الإبلاغ عن المكان فإن مديرية أمن القاهرة تقول إنه تابع لمديرية أمن الجيزة والعكس، مع أن الكوبرى خاضع إداريا لمديرية أمن القاهرة، ورغم أن هناك بعض المحاولات للقبض على هؤلاء الأولاد لكنهم ينجحون فى الهرب، ثم يعودون مرة أخرى بعد أن تهدأ الدنيا والأمور.


نيرة الشريف

المصرى اليوم

ليست هناك تعليقات: