إن مونتريال جزيرة نادرة من جزر الحرية.. لا اضطهاد فيها.. ولا تمييز.. أستطيع أن أمارس طفولتي وجنوني فيها متي أشاء.. دون متطرف إسلامي يشدني من شعري باعتباره عورة.. ودون متطرف مسيحي يلقيني بحجارة لأنني خاطئة.. لا أذهب إلي الكنيسة بانتظام.
لقد خطف زوجي ابني الوحيد وهاجر به وهو في "اللفة" إلي هناك وحرمني من رؤيته عشر سنوات.. ولكن.. شاء القدر أن يموت زوجي بسكتة قلبية مفاجئة.. وأن تمنحني الحكومة الكندية "الجرين كارد" كي أرعي ابني وأكون بجواره.
لم أتزوج ذلك الرجل عن حب.. تزوجته نزولا علي رغبة أبي.. الرجل الوحيد الذي احترمته في حياتي.. بل إنني عندما تزوجت لم أكن عذراء.. فقد فض بكارتي- وأنا طفلة فائرة في العاشرة- جارنا الطالب البحريني الذي كان يدرس الطيران المدني في معهد إمبابة.. عبث بجسدي البريء وهو يغرقني في الشيكولاتة.. وفتح شهوتي علي أشياء ظلت تؤرقني كلما رأيت رجلاً.. فعرفت منهم أكثر من عدد شعر رأسي.. وسهل ذلك أنني كنت انثي مثيرة.. جميلة.. ورثت جسداً ممشوقاً عن جدتي لأمي البولندية الأصل.
في ليلة الدخلة حرمت زوجي من الاقتراب مني وتحججت بشيء ما تعرفه النساء.. وتركته نائما في القرية السياحية التي سافرنا إليها علي شاطئ البحر الأحمر لقضاء شهر العسل ورحت أتمشي فيها ليلاً فوجدت شاباً يعمل في مركز الغوص.. هو من قضيت معه ليلتي الأول.. وكأنني أردت أن أستقبل زواجي بالخيانة.. اندفاعا وراء قوي نفسية مجهولة تحرضني علي المعصية.. وتجعلني أسعد بها.. وأتمادي فيها.
أسعدني أن زوجي كان يشعر بالضعف أمامي.. في أعماقه شعور عميق بأنه أقل مني.. ولا يستحقني.. ليس فقط بسبب مكانة عائلتي.. ولا سحري الزائد.. ولا ثروتي التي وضعتني في مستوي اجتماعي مميز.. ولكن.. لأنني صحفية أيضا.. صحيح أنني لم أكن متميزة في عملي.. ولا بارعة في الكتابة.. ولكن.. صحيح كذلك أنني نشرت كثيراً من الحوارات مع نجوم ومشاهير ومسئولين كبار كان الواحد منهم يوافق علي ما أريد فور أن يراني.. ولم يكن يؤلمني أن يطلب الثمن.. فقد أسعدني أن أدخل في علاقات خاصة مع كل من يعجبني منهم.. بل كنت أغضب لو تجاهلني أحدهم.. ولم يدعني لفراشه.. كأنه أهانني.. أو استهزأ بي.. أو سخر مني.
ذات يوم فوجئت بزوجي يحاول احتضان "الشغالة" التي كانت علي وشك أن تودع الطفولة وتستقبل الأنوثة.. فثرت ثورة بدت عارمة.. وجدتها فرصة لتمثيل دور الزوجة المجروحة في كرامتها.. بعدها منعت نفسي عنه.. وتخلصت من قرفه.. ومحاولاته الفاشلة.. السريعة.. وكلها محاولات كانت تنتهي قبل أن تبدأ.
كانت فرصة كي أكشف له عن عمق احتقاري له ولم تكن ثورتي حقيقية.. وحاولت التخلص منه.. لكن.. الكنيسة تشبثت بزواجنا.. ورفضت الطلاق.. خاصة أنني شخصية اجتماعية معروفة.. طلاقها سيلفت النظر.. ويجعل غيرها يطالب بمعاملة مثلها.
وقررت أن انجب طفلاً.. عندي كل شيء إلا الطفل.. الثروة.. الشهرة.. المتعة التي أحصل عليها عندما أشاء.. والمكانة الاجتماعية المميزة بما لي من علاقات مع أصحاب الهامات والمقامات.
أمرت زوجي بأن يذهب إلي طبيب حددته له بنفسي ليأخذ منه بعضاً من سائله المنوي ليزرعه في رحمي.. لكنها لم تفلح.. فالضعف كان في الباطن قبل الظاهر.. فسافرت إلي المانيا وخصبت بويضتي من رجل مجهول اختاروا جيناته لتتوافق مع جيناتي ليكون ابني شبهي إلي حد كبير.
لابد أن زوجي شعر بالإهانة فوجدته يطلب مني أن يسافر إلي أقاربه في مونتريال ليحصل علي الجنسية الكندية واستأذن أن يأخذ الطفل معه كي يفتح عينيه علي حياة مختلفة يتعلم فيها اللغة الإنجليزية وينطقها مثل أهلها علي أن يعودا بعد شهور الإجازة الصيفية وقت بدء الدراسة.. فأعجبتني الفكرة.. خاصة أن ابني كان في بداية المرحلة الأولية.
لكن.. شهور الصيف مرت.. ولم يعد.. لا هو ولا الطفل.. وأخرج لي لسانه من آخر الدنيا ساخراً.. وعندما رويت له عبر الهاتف حقيقة ابنه.. سقط التليفون من يده.. ودخل المستشفي مصابا بأزمة قلبية.. وبعد فترة من الزمن.. مات.
الغريب أن موته لم يشعرني بالحرية التي سعيت إليها بالطلاق.. بل ربما كان الشعور بالذنب هو ما غطاني.. فقررت تصفية حياتي في مصر.. وقطع صلاتي بها.. والهجرة منها إلي غير رجعة.. وما إن وصلت لقراري حتي وجدتني وقد غمرتني رغبة مباغتة في الانتقام من الرجال الذين مشوا علي جسدي.. خاصة الوزراء منهم.. الوزراء الذين يحرصون علي صلاة العيد خلف الرئيس.. ولا يفوتون الاحتفال بمولد النبي محمد.. ويضعون الآيات القرآنية في مكاتبهم.. خلف ظهورهم.
لقد سألتك ذات يوم ــ وكنا في حفل عشاء دبلوماسي ــ عن الحياة الخاصة للوزراء فأجبت دون أن تعرفني: "إنك لا تتصور وجود مثل هذه الحياة للوزراء في ظل الحراسة المشددة والمراقبة الصارمة" واعتبرت إجابتك هروباً من سؤال حرج.. فلست أتصور أنك لا تعرف كيف يعيش المسئولون علي حل شعرهم؟ ولو كنت مصراً علي أنك لا تعلم فأرجو أن تصدقني في كل كلمة أكتبها إليك.. خاصة أن تذكرة سفري.. بلا عودة.
ذات مساء وجدت باب بيتي يدق وفتحت لأجد رجلا صعيديا يقتحم المكان وقبل أن أصرخ من الرعب وجدت من يخلع عمامته ويكشف عن شخصيته.. إنه الوزير الذي تعرفت به.. ولم تزد علاقتنا علي مكالمات تليفونية بها إيحاءات جنسية عابرة.. وفي مكالمة منها تحداني قائلا: "إنه سيقتحم شقتي ويفاجئني بالبيبي دول الذي يتخيلني فيه".. وقبلت التحدي دون أن أتخيل كيف سينفذه ويهرب من كل العيون التي حوله.
وليلتها عرفت منه أن الفنادق هي مكان يلتقي فيه الوزراء عشيقاتهم.. طبعا بترتيبات خاصة من مديريها الذين يسهلون كل شيء ويبلغون في الوقت نفسه عن كل ما حدث.
يمكن أن يجلس وزير بجانب كابينة علي حمام سباحة هو وشلة من أصحابه ثم يدخل الكابينة بدعوي أنه مصاب بإمساك.. وما إن يتخطي العتبة ويغلق الباب عليه حتي يجد "البنت" جاهزة علي الفراش.. وغالبا ما لا يكتشف من في الخارج ما حدث في الداخل.. فالوقت الذي قضاه صاحب المعالي بعيداً عنه لا يزيد علي الوقت الذي يقضيه في التواليت.
وفي زمن وزراء البيزنس أصبحت العلاقات السرية للوزراء أسهل.. إن بعضهم يمتلك بيوتا ريفية في ضواحي القاهرة والجيزة.. مثل المريوطية والمنصورية.. تلك البيوت مسارح نموذجية للعلاقات الخفية.. فهي مستترة بالظلام.. والحراسة مهما كانت يقظة تقف بعيداً عما يجري في الداخل.. ومن السهل تسريب جيش من الفتيات من أبواب خلفية دون أن يحس بهم أشد الرجال يقظة.. ولست في حاجة لأن أذكر أن وزيراً ورجل أعمال ترك بيته الريفي لزميل له كي يقضي أوقاتاً مع عشيقته التي تزوجها فيما بعد، فور أن توفيت زوجته.
إن تلك البيوت خالصة لكل أنواع المتعة.. أفخر أنواع الشراب.. فيش القمار.. المنشطات الجنسية.. فالوزراء بشر أيضا.. خاصة إذا كانوا أثرياء يملكون الثروة.. فلا يجوز أن تحرمهم السلطة من المتعة.. بل علي العكس تماماً.
لقد قضيت ليالي عديدة هناك.. ورأيت المنفوخين بالقوة وهم يتجولون بالبرنس وفي أيديهم كؤوس النبيذ الفاخر الذي يأتون به من قبو يضم أنواعاً نادرة منه.. ورأيت نجمات سينما من الطراز الأول وهن يتصرفن بحرية وكأنهن في بيوتهن.. وسمعت منهن ما لا يمكن تصديقه ولا تخيله.. ولابد أنهن يستفدن من تلك العلاقات.. ولكن.. الأهم هو شعورهن بأن الجمال سلطة أقوي من سلطة السياسة والثروة.
وضحكت عندما قرأت لرجل أعمال مصري تزوج من فنانة لبنانية أن زوجته ترفض الحفلات والسهرات الخاصة.. فهو "رجل حمش".. لا يقبل الحال المايل.. لكنه.. يعرف جيداً أنه وافق علي أن تصعد زوجته علي سطح يخت لترقص وتسلي صاحب الدعوة.. الوزير الحالي.. هو وأصحابه.. بدعوي الاحتفال بعيد ميلاده.. ولو شئت أن أذكر لك الأسماء.. لا مانع.. لكنك لن تنشرها.. يكفي ما عندك من قضايا.. أيضا هناك صور سأرسلها إليك في الوقت المناسب.. فلم يعد عندي ما أخسره في بلد أخذ مني كل شيء ولم يعطني لحظة اطمئنان واحدة.
ولا شك أن سهولة سفر الوزراء إلي الخارج يسرت لقاءاتهم بعشيقاتهم.. والوزراء يسافرون إما في إجازة أو في مهمة.. وفي الحالين لا مانع أن تنزل امرأة يريدونها في نفس الفندق.. ولو في طابق آخر.. وأنت من نشرت عن الوزير الذي يأخذ موظفة قريبة منه في كل سفرياته.. ولا يهمه أن يراه مساعدوه وهو يتأبطها دخولاً وخروجاً.. فقد أقنعوا أنفسهم بأنها تخفف عن معالي الوزير أعباء مهمته الشاقة التي لا تزيد علي السهر في الكباريهات والتسوق في المولات ولعب القمار في الكازينوهات.
ومن خبرتي أقول: إن الأجهزة المعنية ترفع تقاريرها لمن يهمه الأمر وكثيرا ما وجهوا اللوم لهؤلاء الوزراء وطلبوا منهم "أن يتلموا شوية".
ولا أحكي لك عن زوجة الوزير التي تطارده في كل مكان وتدفع لسائقه أموالا تفوق راتبه عشر مرات كي يقدم لها تقريراً يومياً عن تحركاته ومقابلاته.. وحدث أن عرفت أنه في غرفة بأحد الفنادق فأسرعت تقتحمها.. ولكنها وجدته يراجع بمفرده تقارير غاية في الأهمية.. فاعتذرت وانسحبت.. وما إن عادت إلي بيتها حتي وجدها الوزير فرصة فطلب من المرأة التي يعرفها أن تأتي له علي الفور.. وفي المساء عاد إلي بيته وهو لا يزال راسما علي وجهه علامات الغضب.. وما إن أعطي ظهره لزوجته لينام ابتسم ابتسامة طفولية اشتهر بها.
وتعرف الأوساط العليا في الحكومة قصة الوزير الرومانسي الذي ظل علي علاقة عاطفية طويلة بينه وبين جارته التي رفضت عائلته الثرية أن يتزوجها.. استمرت تلك العلاقة نحو ثلاثين سنة.. تزوج هو ابنة وزير أسبق.. وأنجب منها دستة أطفال.. لكنه لم ينس حبه القديم.. خاصة أنه مقتنع بأن الابنة الوحيدة التي انجبتها حبيبة عمره هي ابنته.. لكن.. لا أحد يقدر علي كشف تلك الحقيقة التي أحترمها وأقدر مشاعر أصحابها.
إن الوزراء بشر.. من حقهم أن يعيشوا حياتهم مثلنا جميعا.. ولكن.. السؤال الصعب.. لو قدر لهم الاختيار بين السلطة أو العشيقة فإن اختيارهم سيكون بلا جدال السلطة.. فالسلطة تأتي بكل شيء.. القوة.. الثروة.. الشهوة.. والعشيقة.. ولعلك توافقني الرأي أن المرأة المقهورة والمضروبة والمظلومة تجد نفسها وهي تسيطر علي ذلك كله.. فهي لا تعري الرجل من ثيابه فقط وإنما من نفوذه أيضا.
لو طلبت مني مزيداً من التفاصيل لن أتردد في أن أرسلها لك من وطني الجديد.. فلم يعد عندي حسابات تعوق حريتي في كشف كل ما في صندوقي الأسود من أسرار.. بصراحة مطلقة تسيطر علي في تلك اللحظة العبارة الشهيرة: "يا رايح كتر من الفضائح".
عادل حمودة: عزيزتي سلمي أبوجودة.. لا أعرف هل هذا الخطاب حقيقة واقعية أم رؤية أدبية كالتي تعودت منك كتابتها مقتبسة مما حولنا من ملامح أبطالها بصياغة مغرية منك؟
اللافت للنظر أن بطلة الخطاب شخصية أعرفها ومعظم ما ذكرته من معلومات عن الحياة السرية للمسئولين أعرفه.. لكن.. ما جري للبطلة.. وهجرتها.. واعترافاتها الذاتية هو ما لا أعرف.. سوف أنشر ما كتبت علي أنه لوحة إبداعية تعودت أنت علي كتابتها.. ضمن ما يرسمه قلمك من فترة إلي أخري.. ونضعه فرحين علي صفحاتنا تحت عنوان اخترته بنفسك هو "حدوتة مصرية".